من المعروف أن سعداني، كما يفهم من تصريحات بعض خصومه، لا يتكلم باسمه أو باسم حزبه عادة لكنه قد يتكلم باسم مجموعة الرئاسة والمقربين منها. السياسة الخارجية كما هو معلوم يحددها رئيس الجمهورية لا غير وذلك طبقا لنصوص الدستور الجزائري. ولذلك فقد بدأ الجيش الجزائري في الابتعاد عن السياسة تدريجيا خاصة منذ مجيء بوتفليقه للحكم سنة 1999. لكن بما أن المؤسسة العسكرية أعلنت مرارا وتكرارا ابتعادها عن الشؤون السياسية فكيف نقرأ الاتجاه الذي اتخذته مجلة الجيش والذي جاء بمثابة الرد على تصريحات سعداني المؤيدة لحل قضية الصحراء؟ ذلك أن قضية الصحراء الغربية والكلام حولها يعد من السياسة وتحديدا السياسة الخارجية؟[1]
في واقع الأمر أن افتتاحية الجيش لم تتطرق لموضوع القضية الصحراوية كونها تتعلق بمجال السياسة الخارجية إلا اعتمادا أو استنادا لما ورد في رسالة رئيس الجمهورية بمناسبة إحياء ذكرى إعلان الدولة الصحراوية، وكما ورد في جريدة الخبر أن..."هذا الموقف ليس وليد اليوم، كما جاء في رسالة رئيس الجمهورية، إنما هو نابع من مبادئ الثورة التحريرية المجيدة وقيمها،....إلىخ."[2]
لكن موقف سعداني لا يمكن التقليل من أهميته وقد يكون معبرا عن رغبات وتمنيات الكثيرين من الأفراد في الجزائر والدول المجاورة والذين يفضلون حلا سلميا وسريعا للقضية الصحراوية التي طال أمدها وأدت لتجميد مسار الاتحاد المغاري والضرر بمصالح شعوبه. منطقيا لا أتصور وجود من يرغب في تعقيد الأمور وتأزيمها واستمرار النزاع وتفاقمه لدرجة تهديد استقرار المنطقة وتعطيل مشاريعها الوحدوية ذلك أن وقت الحروب والمغامرات قد ولى ولم يعد ينفع الشعوب. كل شعوب المنطقة، أو غالبيتهم، على الأقل يرغبون في العيش في سلام ويريدون التركيز على التنمية وتقوية الاتحاد المغاربي. ولا مستقبل لدويلات متصارعة داخليا وخارجيا. ولذلك نطالب الزعماء بطرح الخلافات جانبا والعمل على إيجاد مخرج لهذه المشكلة المعقدة تحقيقا لمصلحة الشعوب إذ كل القضايا يمكن حلها بالطرق الودية كما ينص على ذلك ميثاق الأمم المتحدة.
لماذا لم تعد الحروب مجدية بالنسبة للشعوب؟
الجواب: لأن موارد الطبيعة قد استنفذت ولم تعد تتحمل المزيد من الحروب المكلفة التي تؤدي لخراب الأوطان وحرائق الغابات التي تعني المزيد من التصحر والتسبب في ظاهرة الجفاف والدفع بالشعوب نحو العطش والفقر فقط لأن قادة البلدان أرادوا ذلك. البلد الذي يخوض حروبا مستقبله سيكون سيئا والدليل على ذلك ألمانيا التي عانا شعبها على أيدي هتلر والاتحاد السوفييتي الذي تفكك بسبب حربه في أفغانستان، وأمريكا التي خاضت حربا مدمرة في كل من العراق وأفغانستان وهي اليوم تريد العرب أن يتورطوا في حروب داخلية وخارجية لكي لا تتاح لهم فرصة البناء والتشييد والتنمية الاقتصادية.حرب أمريكا في العراق وأفغانستان كلفتها ما يزيد عن 4 آلاف مليار دولار وسنحت الفرصة للصين كي تلحق بأمريكا في مجال التنمية. أمريكا أرادت احتلال المنطقة لمنع التمدد الصيني فإذا بها تتخلف هي وتعطي عدوها أو خصمها الصين فرصة اللحاق بها ومزاحمتها على موارد تلك المنطقة. الحرب شر لا بد من تفاديه قدر الإمكان، ويسمح بها فقط في الظروف القاهرة جدا. البلدان التي تهتم بالحروب وتهمل التنمية ستتفكك داخليا ويأتيها العدو من الداخل.
الشعوب إذا همشت وأهملت قضاياها المشروعة قد تتحول إلى خصم عنيد وعدو لدود للحكام ويصبح خطرها أشد على استقرار البلدان من أعداء الخارج وأكثر دمارا للمجتمعات والدول من الجيوش الجرارة، لذلك نأكد ونلح في التأكيد على أهمية التنمية وحل مشاكل الشعب التي هي مشاكلنا نحن البسطاء ومشاكل أبنائنا الذين ضيعتهم الدولة ولم تضمن لهم الحد الأدنى من مستلزمات العيش الكريم خاصة ونحن مقبلون على أزمة خانقة ولا أحد يعلم كيف يتم الخروج منها بسلام.
هوامش:
[1] ذكر بجريدة الخبر أن "الجيش يصفع سعداني ويتجاهل توفيق"، راجع جريدة الخبر الصادرة يوم 15 دبيمبر 2015.
[2] من يعد قراءة الخبر الوارد بجريدة الخبر هذه سيتأكد أن افتتاحية مجلة الجيش لم تتعرض لموضوع القضية الصحراوية، كونها قضية سياسية، إلا تأكيدا واستنادا لما ورد في رسالة الرئيس بو تفليقه. لكن من يكتفي بقراءة العنوان الوارد بتلك الجريدة يفهم خطأ أن الجيش تدخل في أمور السياسة التي هي من اختصاص رئيس الجمهورية.
