عمار بوجلال
لم أتصور في
حياتي قط أن يأتي اليوم الذي تتغير فيه العقليات وتتبدل المواقف وينتهي الأمر
بأصحابها، الذين كنا نعدهم من أنصار النظام ومقربيه، فيتحولون فجأة لصف المعارضين
لحكم الرئيس بو تفليقه وطريقة إدارته شؤون الجزائر.
حدث هذا في الجزائر وسيحدث المزيد
منه سيما بعد الانخفاض السريع لعائدات النفط نتيجة تراجع الإنتاج وانهيار
الأسعار التي يباع بها النفط الجزائري. المال العام كان الزاد الوحيد الذي يمتلكه
بو تفليقه لشراء رضى الشعب والأنصار والمحافظة على تماسك النظام الذي أسسه هو منذ
مجيئه لسدة الحكم في 1999.
قد نتعجب ويتعجب غيرنا من الذي حصل ويحصل، أي هجرة الناس وتخليهم عن النظام
والانضمام للمعارضة أو الابتعاد عن السياسة كليا، لكن خوف هؤلاء الناس على مستقبل أبنائهم
ومستقبل بلادهم (الجزائر) ربما كان السبب وراء تقلبهم السريع واتخاذهم لقرارات ومواقف
شتى من النظام الحاكم.
ثقة الجزائريين بنظام الحكم اهتزت
كثيرا ولا يمكن استعادتها بمجرد تعديلات دستورية قد ترضي زيدا أو عمرا وقد لا ترضي
أحدا، إصلاحات قد تطبق وقد لا تطبق.
كذلك نقول أن زمن الديمقراطية وحقوق الإنسان قد ولى ولن يكون له صدى في المستقبل
المنظور: المستقبل سيكون للصراع والعنف، والمغالبة بكل الوسائل والطرق الممكنة.
هدفنا ليس منع هذا الصراع والعنف كليا، ولكن لكي نتعلم الطرق المناسبة لإدارة
شؤوننا سلميا ومواجهة أزماتنا وصراعاتنا بالطرق التي نختارها نحن بمحض إرادتنا لا الطرق
التي تفرض علينا وتتحكم بنا، وهي أساليب وطرق قد تِؤذينا وتؤذي من نحب؛ طرق لا تؤدي
لانهاك ثرواتنا وتدمير بلادنا التي ضحى من أجل تحريرها آباؤنا وأجدادنا ودفعوا في سبيل
ذلك الكثير من دمائهم وعرقهم.
السلم والديمقراطية ضروريان لكنهما مرتبطان بعوامل شتى أهما الوعي الشعبي، وتوفر
الوسائل المادية كالثروة التي يجب توزيعها بعدالة. هذه الوسائل والمقومات الضرورية،
العدالة والموارد المادية، نراها إما شبه غائبة أو مغيبة عمدا وإما يساء توزيعها واستعمالها
كما هي الحال بالنسبة للعيدد من البلدان العربية. (أو هكذا تبدوا الأمور في هذه البلدان
إذ كلما طالبت جماعة من المواطنين بالحصول على حقوق مشروعة كلما قوبلت تلك المطالب
بالرفض من قبل المسؤولين في الدولة بحجة انعدام الأموال.)
لذلك يحق لنا القول أنه لا يمكن تصور بناء مجتمع ديمقراطي أو إرساء دولة القانون
والحكم الراشد
من هناك حق القول: أن الصراع مع القوى الشريرة هو صراع دائم ومستمر في هذه البلاد
أو تلك، وهو صراع حتمي وليس صراع اختياري.
زيادة على ذلك يجب القول أن: خدمة الوطن مسألة واجبة وحتمية على كل الأفراد
والجماعات الذين ينتمون لذلك الوطن، هي مسألة مفروضة علينا كلنا وليست مزية أو منحة
يتفضل بها الحاكم علينا. كلنا شركاء في خدمة الوطن ومصيرنا كله معلق ومرتبط بنجاح التنمية
في هذا الوطن أو ذاك.
هناك من يحتكر الكلام باسم التاريخ والماضي المشرف للوطن والشعب- يستغل ذلك
الرصيد التاريخي أو الديني لخدمة مصاح وأغراض شخصية ويقصي ويبعد المواطنين الآخرين،
الشرفاء الذين ضحوا بكل ما يملكون من أجل وطنهم وشعبهم، بل وبكل وقاحة قد يلبس هؤلاء
تهمة الخيانة والولاء للاستعمار، قديمه وجديده، دون دليل يذكر.
كلمة وطن هنا يقصد بها الوطن القطري
أو المحلي كالجزائر أو العراق، أو الوطن الأكبر الذي يشمل الأمة العربية كلها وقد يضاف
إليها الأمة الإسلامية أيضا. (الوحدة العربية أو الإسلامية ليست من المستحيلات
السبع، لكن عندما تتوفر الإرادة السياسية ويتخلى الزعماء العرب وغيرهم عن
أنانياتهم، ويضعون نصب أعينهم مصالح شعوبهم وأوطانهم سيدركون أنها الغاية والوسيلة
التي ستساعدهم في التخلص من كثير من المحن التي يمر بها العالمين العربي والإسلامي
في عصرنا هذا.)
اللهم أعنا في سعينا هذا، ويسر ولا تعسر علينا، وانفع بأعمالنا العباد والأوطان.
اللهم آمين يا رب العالمين.
قسنطينة، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية.
No comments:
Post a Comment