طرح الغنوشي على خصومه
الذين قهروه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (التي جرت يوم...) شروطا تعجيزية مطالبا
إياهم بعدم الانفراد بتشكيل الحكومة أو التحالف مع أحزاب علمانية، لأن ذلك بالنسبة
إليه يعني عودة الدكتاتورية لحكم تونس.
مطالب الغنوشي خالفت أبسط
أبجديات الديمقراطية، وتضمنت تهديدا ووعيدا لا يبشر بخير لمستقبل الديمقراطية
الفتية بتونس.
الجميع يعلم أن الحزب
الفائز بالانتخابات (حزب نداء تونس هذه المرة) حر في اختيار الطريقة التي تناسبه في
تشكيل الحكومة: إما أن يتحالف مع حزب يتبنى برنامجا قريبا من برنامجه، أو الدخول
في عملية تفاوض مع حزب ذي توجهات مختلفة بقصد التوصل لبرنامج مشترك يرضي الطرفين
بهدف تشكيل حكومة قابلة للحياة وقادرة على تنفيذ المهام التي نصبت من أجلها.
شخصيا
أعتقد أن الديمقراطية في تونس ما بعد الانتخابات الأخيرة ستكون بخير إن تحكم السيد
الغنوشي وأنصاره في عواطفهم وتجنبوا الإساءة إليها.
النهضاويين بدوا للناس معتدلين
ومسالمين، عندما حصلوا على السلطة في أعقاب انهيار نظام بن علي. لكن المرحلة
القادمة ستكشف للناس عن حقيقتهم خاصة إذا ما أبعدوا عن السلطة. تصريحات الغنوشي الأخيرة
تضمنت تحذيرات للتونسيين أن حزب نداء تونس سيعود بهم إلى عهد ديكتاتورية بن علي، واشترط
على زعماء هذا الحزب الفائز بالانتخابات عدم السعي لتشكيل الحكومة المقبلة بالتحالف
مع أحزاب تختلف اتجاهات العلمانية عن الاتجاهات الإسلامية التي تتبناها النهضة. كذلك طالب الطبقة السياسية بضرورة
انتخاب رئيس توافقي.[1]
[1] . راجع على سبيل المثال الخبر الوارد بجريدة
الشروق الجزائرية (الغنوشي يحذر من تكرار الاستقطاب الثنائي المصري)، يوم 31 أكتوبر، 2014.
لكن
السؤال المطروح: ماذا سيحصل عندما يرفض خصوم النهضة هذه المقترحات؟
ساعتها أعتقد أن النهضة ستجنح
للخطاب المتطرف وتدعم الإرهاب بكل ما تملك من قوة.
بالنسبة لمسألة انتخاب
الرئيس المقبل أرى أن النهضة تستعجل الأمور وتضغط على خصومها من غير مبرر. يبدوا أن زعماء النهضة
عانوا ولا زالوا يعانون من صدمة الهزيمة، ولم يتقبلوا الخسارة بكل روح رياضية كما
تظاهروا للناس عند بداية ظهور النتائج الأولية للانتخابات. كان
يليق بهم التركيز على الحاضر وترتيب أمورهم جيدا إما تدبرا لحظوظهم في الحكومة
المقبلة، وإما استعدادا لموعد الانتخابات الرئاسية التي عندما يحين موعدها ستختار
النهضة من تراه يليق بتمثيلها فيها، أو تختار مساندة من تراه يصلح لحكم تونس.
لكن في حالة فوز أحد المعارضين لبرامجها وتوجهاتها اﻹسلامية بالانتخابات فعليها
عندئذ بالسعي لتشكيل معارضة مسئولة: تدعم الفائز بالانتخابات في السياسات والبرامج التي تراها تصلح لتحقيق مصلحة الشعب
التونسي، وتعارضه في الباقي معارضة سلمية من غير تهديد أو وعيد.
[مقالة لا تزال في حاجة لمزيد من التعديلات]
عمار
بوجلال،
قسنطينة، يوم 31 أكتوبر، 2014
