أ. عمار بوجلال
Constantine, Algeria, March 12th updated May 20th , 2012
لقد تفشى الفساد في هذا الزمان وتأزمت الحياة واختفت القيم النبيلة، وتصارع القوم على السلطة والثروة وصار طبيعيا أن تجد بعض المتاجرين في السياسة وقد نصب نفسه مدافعا عن الوطن والشعب وراح يكيل التهم لغيره من السياسيين المنافسين والمواطنين الأبرياء معتمدا طريقة التشكيك والقذف في نزاهة الآخرين وإخلاصهم للأمة والوطن. وأحيانا يستخدم هؤلاء أسلوب التهديد والوعيد كطريقة لترهيب المناوئين والمعارضين لقناعاتهم وطريقة حياتهم ورأيتهم الخاصة لعلاج المشكلات والقضايا التي تشغل بال الأمة والمواطن. هذا الوصف يعكس بصفة عامة موقف العلمانيين من خصومهم الإسلاميين الذين بدورهم يصفون خصومهم (العلمانيين) بالمارقين والزنادقة "الذين تآمروا على الدين والوطن وباعوا أخراهم بدنياهم" ولم يعد لهم من دور سوى تخريب العقول ونشر الفواحش والرذائل في صفوف الشباب، بل وأعلنوا الحرب على الله ورسوله وعلى المؤمنين كافة. إنهم يعتقدون (أعني الإسلاميين) أن واجب الدفاع عن الدين فريضة على كل مسلم ومسلمة، وأن قلقهم على الدين ومصير العباد (يوم القيامة) هو المحرك الأساسي لحركتهم التي لم ولن تتراجع عن المطالبة بحماية الدين وتطبيق الشريعة في بلد يكاد يكون كل سكانه مسلمين إلا القلة القليلة منهم التي انسلخت عن دينها بسبب عدم وجود حكومة إسلامية تسهر على حماية الدين وتسعى لتخليص العباد من عبادة الشيطان وتجنبهم المصير المشئوم.
أتصور أنه يوجد العديد من أبناء هذا الوطن الذين يريدون معرفة من خول هؤلاء وألئك السادة والسيدات لكي ينصبوا أنفسهم ناطقين باسم الشعب والوطن، ومن ثم السماح لأنفسهم الإساءة لحقوق وحريات غيرهم من المواطنين كأن يتهموهم بالجهل والفساد وخيانة الوطن والأمانة، وغير ذلك. إن هؤلاء المواطنين يريدون صراحة أن يعرفوا كيف يحق للبعض دون سواهم الكلام باسم الجميع، ويفرضون على غيرهم ما يعتقدون أنه الصواب دون الارتكاز على نص منزل أو قانون صادر عن جهاز تشريعي منتخب بصورة ديمقراطية شفافة؟
يقول بعض العلمانيين الذين نصبوا أنفسهم مداعين عن الوطن والشعب أن مناوئيهم (من الإسلاميين) خونة ويعملون ضد مصلحة الأمة، وأنهم يريدون بيع الوطن للأجانب. لكن لإثبات صحة هذه الادعاءات من عدمها يجدر بنا طرح التساؤل الآتي: هل يستطيع من لا يملك أن يبيع ما لا يملك؟ أي أن الذي لا يملك منصبا حساسا أو ثروة ما، فماذا عساه أن يبيع؟ إن الملاحظ هنا وهناك أن من باع أرض الوطن، وباع مقدرات الأمة للأجانب هم الذين يملكون مفاتيح كل شيء. أما غيرهم، من الذين لا يملكون حتى التصرف في أنفسهم، فماذا عساهم أن يبيعوا؟ وما دامت الوقائع تؤكد وتثبت أن من لا يملك لا يستطيع البيع، فلماذا تجد البعض ممن نصب نفسه مدافعا عن الوطن وناطقا باسم الشعب يتهم غيره، من الذين لا يملكون حتى التصرف في ذواتهم، بالعمالة للأجنبي والخيانة للوطن؟
عجبا لهؤلاء الأذكياء يخلقون من العدم قضية، ومن الفراغ أشباحا ومخلوقات تعمل جاهدة لتخريب الوطن، تريد بيعه للأجانب. يا لهم من أذكياء، يريدون حماية الوطن من الشعب، ويريدون حماية الشعب من أبنائه البررة. يضعون حواجز بين الدولة والشعب، يريدون "حمايتها من الأخطار الآتية من الشعب". لكن إذا كان ذلك هو واقعنا، ومصيرنا ألا يحق لنا أن نطرح تساؤلا حول الهدف من إنشاء الدولة، والهدف من تحرير الوطن وانتزاع الحرية من المستعمر السابق. فنقول: لخدمة من ولمصلحة من وجدت الدولة إذن، إن لم تكن في خدمة الشعب وتعمل لمصلحته؟
في الآونة الأخيرة، على سبيل المثال، أعلنت زعيمة حزب سياسي جزائري الحرب على بعض الشخصيات والتشكيلات الحزبية الإسلامية في الجزائر إما خوفا على حظوظ حزبها في الانتخابات المقبلة (التي ستجرى في 10 من ماي 2012)، وإما خوفا من أن يصل إسلاميون "متشددون" إلى الحكم ويهددوا السلم الاجتماعي كما يظن كثيرون في هذا البلد وغيره. لكن أليس من الأفضل انتظار ما ستأتي به الانتخابات المقبلة ثم نحكم على البعض طبقا لأفعالهم وسلوكياتهم في الميدان وليس طبقا لشعارات وأحكام مسبقة نطلقها عليهم باسم الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، أو باسم الدفاع عن السيادة الوطنية؟[1]
أعتقد أن الشريعة الإسلامية تتسم بالمرونة والاعتدال، وتعد أقل الشرائع السماوية تضييقا على الحريات الفردية والجماعية كما اتسم تطبيقها بالتسامح والمعاملة الحسنة حتى تجاه المخالفين للدين الإسلامي، وقلما تجد دينا أو شعبا أكثر تسامحا من الإسلام والمسلمين في تعاملهم مع أعدائهم وخصومهم. قارن ذلك بما فعل أصحاب الأديان والأيديولوجيات الأخرى، فقد تميزت الشيوعية على سبيل المثال بالتسلط على أصحاب العقائد والأديان السماوية وأنها اعتبرت الأديان مجرد تخدير لعقول الناس. جوزيف ستالين، مثلا، نكل بملايين الأبرياء وعمل على تهجير الملايين من سكان الإتحاد السوفييتي سابقا، بعضهم مسلمين، وأقام لهم محتشدات في صحراء سيبيريا.
بالمقابل هل اقترف الإسلام والمسلمون طيلة تاريخهم الطويل والممتد على مدى أربعة عشر قرنا جرائم كالتي ارتكبها ستالين ولينين وهتلر وغيرهم؟ لماذا إذن الخوف والتخويف من الإسلام والإسلاميين؟ هل سيخالف الإسلاميون الجدد القرآن الكريم والسنة النبوية ويرتكبون الجرائم الشنعاء تماما كما فعل غيرهم؟ اطمإنوا، لن يظلم أحد على أيدي الإسلاميين، المعتدلين خاصة، والذين (يدركون مصلحة شعبهم ووطنهم، ويتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله). إن الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم، لم يشغل باله بحب الدنيا، ولم يطلب من صحابته وأتباعه من بعده سوى الإخلاص للعقيدة وتنقية عقولهم من الشرك بالله، كما أمرهم بإنصاف العباد والإحسان إليهم ولو كانوا من غير المسلمين، وأمرهم أيضا باقتسام رغيف الخبز والتعاون على البر والتقوى ونصرة المستضعفين، ولم يأمرهم بالظلم والعدوان على غيرهم، وما الجهاد الذي مارسه الرسول والصحابة من بعده سوى دفاعا عن النفس، وصدا لعدوان وقع على المسلمين حين منعوا من ممارسة عبادتهم، بل وأمروا بالشرك بالله وعبادة الأصنام.
من ناحية أخرى نجد الذين نصبوا أنفسهم مدافعين عن الوطن والأمة ليسوا أفضل من غيرهم بالنظر للوضع الذي آلت إليه أحوال العرب والمسلمين حيث نجدهم عالة على غيرهم يعيشون تحت رحمة أمريكا التي تأتمر بأوامر إسرائيل وإذا لم تطعمهم أمريكا وإسرائيل فقد يضيعون جوعا. الحل بالطبع لا يكمن في استخلاف فئة بفئة للتداول على استغلال موارد البلد والانتفاع بها دون غيرهم من أبناء هذا الوطن وذك.
فعلى سبيل المثال بعض الذين حكموا الجزائر ساهموا في إضاعة الأراضي الفلاحية وتحويلها إلى مباني وطرقات ومصانع مفلسة بسبب المركزية الشديدة والتبعية للشركات الأجنبية، والبيروقراطية وسوء التسيير. كذلك ضيع بعضهم ثروات البلد في صفقات مشبوهة بسبب التهور والجهل بالقانون والجهل بأبجديات التفاوض التجاري، راجع على سبيل المثال تقارير الصحافة حول تعامل سونطراك مع الشركات الأجنبية لتطلعك بالأرقام المرعبة على الثروات التي ضيعت بسبب القوانين المخالفة للأعراف الدولية، وبسبب العجز عن التسيير.[2][2]
كذلك استهدف بعضهم القطاع العمومي باسم الخصخصة واقتصاد السوق، وتطبيق أساليب التسيير الحديثة. هذا بالطبع يكون قد خدم مصلحة الشركات الأجنبية، الفرنسية منها على الخصوص، حتى صرنا عالة على غيرنا نستورد كل شيء من الخارج. حتى أبسط الضروريات كالإبرة والقلم، والثوم والبصل وهي مواد كانت في زمن مضى تزرع وتنتج في أغلب الحدائق التابعة لمنازل الجزائريين صارت في عهد اقتصاد الاستيراد والتصدير بضائع يتحكم بها تجار مافيا همهم الوحيد الربح السريع ولو تسبب ذلك في تلاشي السيادة الوطنية، أو زاد في الضغط على المواطنين ذوي الجيوب الفارغة. كذلك ساهم هؤلاء في إفلاس الشركات الوطنية نتيجة التقاعس عن محاربة الفساد والمفسدين، والعمل على تغييب الرقابة الفاعلة التي تميز الخبيث من الطيب، عن طريق تهميش المراقبين وتحييدهم بكل الوسائل والطرق كضعف التكوين وعدم توفير الوسائل والحماية اللازمة وكذا تهميشهم في الرواتب والأجور.
ثم إذا كان لتلك المشكلات المذكورة أعلاه أسباب ومبررات، ألا يمكن تداركها حتى في عز الأزمة التي تضرب الاقتصاد الأمريكي والأوروبي؟ هل يوجد مانع من بناء صانعة حديثة في الجزائر تسمح بخلق مناصب عمل إضافية، وتضيف مصادر جديدة لثروة حقيقية تكون بديلة عن قطاع المحروقات، وتسمح بالتخفيف من معاناة الفقراء والبطالين؟ إلى متى يظل الاقتصاد الجزائري يعتمد في الأساس على قطاع واحد وهو قطاع البترول الذي سينضب عما قريب؟ إن أسعار البترول قد تنخفض بشكل حاد ومفاجئ تماما كما حصل في الماضي القريب، سنة 1988 لا زالت تؤرق البعض منا، وساعتها سيدخل البلد في فوضى لا يمكن التنبؤ بنتائجها، ولا تستطيع أية سياسة أو حكومة مواجهة نتائجها العكسية. لقد حصل ذلك بالفعل في الماضي القريب وشاهدنا أن من يتحمل نتائجها المكلفة هم البسطاء الذين لا يملكون ثروات ولا يملكون حسابات بنكية في الخارج.
هل نحن فعلا محصنين ضد الأزمات؟ أم أن تخوين البعض، وتهديد ومصادرة حقوق البعض الآخر، سيقي الوطن من كل الهزات والأزمات؟ سوف لن يتحقق الأمن المنشود في هذا البلد، أو ذاك، وسوف لن ينعم ساكنوه بالسلم والأمن ما لم يدرك أصحاب القرار أنه قد حان الوقت لفتح كل الفرص لجميع المواطنين دون استثناء، كل حسب مقدرته وكل حسب مساهمته في خدمة الوطن من دون إقصاء؛ الكل شركاء في خدمة الوطن ولا أحد منهم يحق له استغلال الدين أو الثقافة أو الإرث التاريخي خدمة لمصالحه ومصالح جماعته.
كذلك حان الوقت للعمل بجدية من أجل حل المشكلات الوطنية كالبطالة والفقر والسكن، وغير ذلك. من الأولويات الملحة أيضا أن يعمل الجميع حكومة وشعبا على محاربة الفساد والمفسدين بالسلوك والفعل لا بالكلام والشعارات ولا بالقوانين التي لا تنفع ولا تطبق سوى على الضعفاء، وأن توزع الثروات والأعباء بالعدل على كل المواطنين والمواطنات دون تمييز. وفوق ذلك كله أن تطلق الحريات، فردية كانت أم جماعية، دون قيود باستثناء بعض الضوابط الضرورية التي يكون هدفها حماية الحريات والمقدسات، والتي يجب أن تحدد شروطها طبقا لمبادئ الشريعة الإسلامية، والقانون الدولي المتضمن لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل الدولة الجزائرية.
أ. عمار بوجلال من الجزائر،
آخر تحديث للمقال يوم 20 ماي، 2012.